هيمنة الدولار الأمريكي

من بريتون وودز إلى البريكس: رحلة 80 عاماً كشفت كيف تحول الدولار من عملة مالية إلى أقوى سلاح اقتصادي في التاريخ

يكشف التسلسل التاريخي لنشأة وتطور الدولار الأمريكي عن مسار مثير من المنعطفات والتحديات التي شكلت النظام النقدي العالمي. بدأت القصة عام 1944 مع اتفاقية بريتون وودز، حيث برزت شخصية هاري وايت، العميل السوفيتي، الذي حاول استنزاف احتياطي الذهب الأمريكي.

لكن النتيجة جاءت عكسية تماماً، حيث ارتفعت حصة الدولار في التجارة العالمية من 20% إلى 70%.

شهد عام 1956 تحولاً استراتيجياً في فهم قوة الدولار كسلاح اقتصادي، عندما استخدمت الولايات المتحدة تهديد بيع السندات البريطانية لإضعاف الجنيه الإسترليني خلال أزمة السويس. أدى هذا إلى انهيار قيمة الجنيه بنسبة تراوحت بين 30% و55% في غضون 90 يوماً.

مثّل عام 1971 نقطة تحول محورية مع “صدمة نيكسون” التي أنهت ربط الدولار بالذهب. ورغم أن هذا القرار جاء نتيجة تناقص احتياطي الذهب الأمريكي، إلا أنه أدى إلى تعزيز مكانة الدولار المدعوم بالقوة السياسية والاقتصادية الأمريكية.

في عام 1979، ظهرت قوة الدولار كأداة سياسية عندما جمدت الولايات المتحدة الأصول الإيرانية. وفي 1980، عزز بول فولكر قوة الدولار برفع أسعار الفائدة إلى 20%، مما جعله الملاذ الآمن للتجارة العالمية.

محاولة إضعاف الدولار في اجتماع باريس السري عام 1987 انتهت بنتائج عكسية، حيث أدت إلى تعزيز هيمنته على 85% من التجارة العالمية.

أما في 2024، فنشهد محاولات جديدة من مجموعة البريكس للتحرر من هيمنة الدولار عبر التخلص من السندات الدولارية وزيادة احتياطيات الذهب والفضة.

ومع ذلك، تستمر الولايات المتحدة في استخدام كافة أدواتها الاقتصادية والسياسية والإعلامية للحفاظ على مكانة الدولار في النظام المالي العالمي.

هذه الأحداث تكشف كيف تحول الدولار من مجرد عملة إلى أداة استراتيجية في السياسة العالمية، وكيف أن محاولات إضعافه غالباً ما أدت إلى تعزيز قوته، مع بقاء السؤال مفتوحاً حول مستقبل هيمنته في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة.

Scroll to Top